الأربعاء، 14 مايو 2008

مذكرات زوجة في سنة أولى (الحلقة الثالثة)

لا أعلم لماذا بدا المطار غريباً هذه المرة.. فبالرغم كثرة أسفاري حيث لم يكن تمضي سنة دون أن أكون قد خطيت لهذا المطار مرة أو مرتين على الأقل عدا المرات الكثر التي كنت فيها أذهب لاستقبل الأقارب والأهل المسافرين والمغتربين..
كان في نظري خالياً إلا مني ومنه.. وبدت وجوه الناس حولنا بيضاء بلا ملامح..
حتى الأروقة بدت فسيحة أكثر من ذي قبل..
هل قاموا بإصلاحات جديدة!!
ولكن لا كان الإصلاح في داخلي.. فما عدت تلك التي ما أن تودع عائلتها في الخارج حتى تدير عينيها في بحث استطلاعي عن الناس.. من قد يكون هنا من معارفي!
أو بمن قد أتعرف على ظهر الطائرة!
أو بمن ممكن أن أتعرف "لأتسلبط" عليه فيحمل معي حقائبي أو يساعد سريعاً في ختم أوراقي.. أو يقدم لي خدمات بسيطة كالجلوس في قاعة الدرجة الأولى مثلاً..
في السابق كانت المسألة بسيطة فيكفي أن ارمي بابتسامة أو أمرر معلومة أني " صحفية" مثلاً حتى يبادر البعض في تقديم الخدمات.. بحجة أنني "من أبناء السلطة الرابعة"...
حتى أنني في هذه المرة لم أضطر أبداً للتنقل من شباك لشباك لأنهي أوراقي.. فما كان يفترض مني إلا الوقوف إلى جانب زوجي ليملأ لي استماراتي وينهي أوراقي..
لم أساعده إلا في حمل حقيبتي اليدوية والشخصية.. فحسب
كنت لصيقة به طوال الوقت لم يفصل بيننا إلا غرف التفتيش النسائية والرجالية.. وما أن أمر تحت جهاز الرنين حتى تركض عيني لاهثة باحثة عنه.. وأجده في نهاية الرواق وقد حرص على أن ينتهي سريعاً حتى يكون في انتظاري..
لم أعرف لماذا بدا لي دلاله لي وتقديره أكثر قيمة من كل ذلك الدلال الذي كنت أحصل عليه في المطار تحديداً في أوقات سابقة..

"من أين تفضلين شرب القهوة من ستار بكس أم نيوز كافيه أم لنجرب شيئاًجديداً" قال حسن بلطف وهو يشير إليهم..
نظرت إلى الأماكن التي أشار إليها وحاولت أن أمحو المشهد الذي تبادر إلى ذهني عندما كنت في أحدهم العام الماضي أنتظر أنا وأخي القهوة بينما أقرأ رواية في يدي.. وكنا نتوجه إلى القاهرة سوياً..
لم أكن أمنح أخي وقتها أي إهتمام.. وكونه غير قاريء كان يحاول أن يجري أي نوع من المحادثة معي بينما أجيب عليه باقتضاب قائلة بيني وبين نفسي "حل عني مش رايقالك"..
ابتسمت وقلت لزوجي.. لنجرب مكاناً جديداً..
فلم أرد أن أتذكر كم كنت قاسية مع أخي ذلك اليوم.. لو أنني قدرت إنني ذات يوم سأرحل عنه لألقيت بالكتاب إلى المهملات وجالسته وحادثته حتى استنزفنا الحديث..
لم أحاول أن أحمل معي كتاباً هذه المرة.. رغم أنه خطر في بالي.. قلت نحن في رحلة شهر عسل ولابد أن أمامنا جدولاً صاخباً لن يسمح لي حسن فيه بأن ألتهي بكتاب عنه..
رغم أن أكثر ما كنت أعشق قراءة كتاب في السفر وعلى الطائرة..
في الطائرة كان هناك الكثير من الأطفال... لعبت معهم كلهم.. وبداخلي تساؤل هل سيكون عندي يوماً مثل هذا..
هل سيكون ابني شقياً مثل هذا الطفل.. أم ستأتي ابنتي شقراء مثل هذه الطفلة..
ربما فارقت عائلتي التي لم أرغب يوماً في تركها.. وبرغم السبعة وعشرين عاماً الذي عشته معهم... وبرغم كل "المناقرات، والخلافات والمناطحات التي كانت تدور بيني وبينهم بشكل يومي..
لكنني لم أرغب في فراقهم..
بل شعرت بروحي تنتزع مني عندما سحبني أبي من ذراعي مسلماً إياي لعريسي.. ولولا الزفة التي كانت تضرب دفوفها حولنا لسمع الجميع صوت نحيبي..
ولكنها هكذا الحياة كما قالت صديقتي لي ذات يوم..وكما تقول أمي: لابد وأن يكون لك بيت وأبناء كما أصبح لي بيت وأبناء مثلكم..
وبالفعل ربما لو أصبح لدي مثل هذه الطفلة الشقراء ذات "ذيلي الحصان على جانبي رأسها" التي أمامي لأنسى كل الدنيا وأتمنى لو أنني لم أفعل شيئا في حياتي سوى إنجابها..
قلت لحسن: أود أن أبقى أنظر لهذه الطفلة فلعل صورتها تنطبع بداخلي لأنجب مثلها..
قال ممازحا: آسف أريد فتاة في سمرتي وسواد عيني..
قلت: مجنون إذا ظننت انني سانجب ابنتي تشبهك.. "ستصبح مثل أمها في كل شيء".. لكنني سأسامحها إذا جاءت بجمال هذه الفتاة..
قال: أصلا من قال انني سأنجب فتيات.. أنا أعلم أنني لن أنجب إلا أولاداً..
قلت: "برميلك اياهم في الشارع"..
قال: وهو المطلوب ليكونوا "زجورتات" مثل أبيهم..
وضحكنا ضحكة بلهاء ثم عدت لأتأمل الكون من شباك الطائرة

ساعة ونصف مرت قبل أن نهبط في مارمريس..
صدق من اسماها كذلك..
فبينما تهبط الطائرة رأيت الجنة أسفلنا..
ولم أستطع أن أتحمل لهفة النظر إليها فأمسكت بجوالي والتقطت أجمل صورة لها..
قال حسن: انتظري سيصبح لديك الكثير من الأشياء لتصوريها هناك.. لا تضيعي سعة الموبايل..
قلت: " يا حبيبي الدنيا تطورت" وأصبح بوسعك أن تمسح من الذاكرة أي شيء تريد إذا شعرت بعدم ضروريته..
قال في ضحكة استخفافية.. أعرف يا ذكية.. أردت النصح فقط..
لعل أجمل ما بيني وبينه أننا نصبح أشبه بالأطفال فجأة.. نضرب بعضنا البعض.. أو نستهزئ بكلام بعضنا البعض دون أن يغضب إحدانا أو يشعر أن شخصاً ما أهان الآخر..
لعل هذه أول أسس الحياة الزوجية التي طالما غابت عن بالي.. تقبل الآخر وتحمله..
عدا عن تلك المواصفات التي كنت أتخيلها في شريك حياتي من العريس الثري الوسيم ذي السيارة الZ5 أيام الثانوي.. أو العريس "الفايع.. المقطع السمكة وذيلها أيام الجامعة" أو العريس المنفتح ذهنيا وعقلياً بعد التخرج..

هناك ما هو أهم وأحلى بين الزوجين دائما.. جميل أن تبقى العفوية سبيل تعاملهم مع بعض.. والشفافية والصدق والصراحة...
لم أضطر مع حسن أن أكون إنسانة أخرى.. كنت معه على حقيقتي.. وكان يحب ذلك جداً..

لم أشعر أن طبيعة الأرض من المطار وباتجاه الفندق تختلف كثيراً عن طبيعة بلادنا العربية.. إلا في أمرين..
البحر والنظافة بل والحرص على النظافة..
فالناس بطبيعتها تخاف أن تخدش الجمال الذي تعيش فيه..
بينما نحن.. نستمتع كثيراً ونحن نقذف بعلبة مشروبات غازية من نافذة السيارة...
كما يستلطف الشباب الصغار كثيراً بينما يلقون بسلة المهملات مسألة التلويح بكيس الزبالة ليطير في السماء قبل أن يقفز ويستقر في الحاوية..
نحن لا نفتقر إلى هذا النخل الباسق ولا إلى العشب الأخضر ولا إلى الزهور الجميلة.. كل ما ينقصنا هو التعايش مع كلاهما..

نحاني حسن جانباً وهو يتحدث مع فتاة الاستقبال الجميلة في الفندق.. استرقت النظر محاولة أن أتصيد خطأ يقع فيه..
لكن ما لمسته أنه معها كان حاد الطباع.. خاصة عندما قالت له ان الغرفة المتوفرة لنا هي غرفة بعيدة عن البحر..
قال لها لقد دفعت لغرفة على البحر.. وهذه المسألة عليك ان تنهيها حالاً..
بدا انها لم تكن على دراية كاملة باللغة الانجليزية فكان يعيد الكلمة لها أكثر من عدة مرات..
هكذا يبدأ شهر العسل.. بمشاجرة بين زوجي وفتاة الاستقبال..
تدخلت.. رققت صوتي معها لتفهم..
رغم جمالها الآخاذ.. "صراحة" لم أشعر بغيرة منها.. فهي منذ الآن لن تطيق زوجي أبداً.. بل تفاهمت قليلا بالانجليزية ولغة الاشارة.. فهمت علي..
وقالت ستغير لنا حجز الغرفة حالاً
قال حسن يا سلام.. ولماذا لم تفهم إلا عليك هذه الغبية
قلت يا ابني: نحن النسوان بنفهم على بعض..
قال: يا سلام.. اشبعي فيها
قلت: يبدو أنك غيران لأنها أحلى منك
ضحك هيء هيء هيء.. "ولا فيها ريحة الحلا"


أريد أن أحضن البحر..
ولكنني أريد أن أتمدد فقط أمام بركة السباحة..
هل من المعقول أن يترك أحد البحر بجماله وروعته وشمسه.. ويتمدد أمام بركة السباحة!!
لتونا وصلنا وأنا أريد أن استرخي قليلاً.. ولا أريد أن أتسخ من رمل البحر..
سنذهب للبحر..
سنذهب للبركة..

أتدري.. الساعة الآن الرابعة ونحن لم نضع لقمة في فمنا منذ الصباح.. لنتناول أي شيء الآن ومن ثم نخطط بحر أم بركة السباحة..


فكرة أيضا..

عن أذنكم.. إذا كان الخلاف على نوعية السباحة التي سنسبحها
فما نوع الأكل الذي سنتغدى به

بالإذن

ليست هناك تعليقات: