الأربعاء، 14 مايو 2008

مذكرات زوجة في سنة أولى (الحلقة الثانية)

منذ متى أستيقظ في الساعة السادسة صباحاً أنا!!
لطالما ضرب بي المثل في "ثقالة النوم".. والاستيقاظ متأخرة..
ولطالما كنت دائماً آخر من يحضر إلى دوامه إن كان في الجامعة أو العمل..
الكثير من الحرمانات الجامعية طبقت علي والكثير من منها تداركت الموقف قبل أن تقع علي..
بالإضافة إلى العديد من الإنذارات والخصومات التي وقعت في عملي..
وكنت أتمنى طيلة تلك السنوات لو أن طبيعة نومي تتحسن.. وأستيقظ لو يوماً واحداً باكراً..
واليوم استيقظ الساعة السادسة صباحاً.. وأنا في إجازة!
ما الذي يحدث!!.. سبحان مغير الأحوال!
ثم من هذا.. متى جاء هذا الشيء إلى جانبي.. ومنذ متى أنام وثمة أحد إلى جانبي "يشخر" بأريحية شديدة هكذا! دون أن أهرب إلى أبعد نقطة ممكنة..
لكن بالفعل معي حق فأبعد نقطة ممكنة في المكان الذي أنا فيه لا تزيد عن مترين..
حسن.. حسن..حسن..
صرخت به بشدة..
ماذا تفعل هنا.. روح نام في بيتكم!
قام بنصف عين مغلقة.. وقال: طيب.. كم الساعة!
الساعة السادسة صباحاً وأنت حتى الآن خارج المنزل.. ربما ستقلق عليك والدتك
ابتسم ابتسامة جديدة.. وهي الابتسامة النكراء قائلاً: هاهاهاهاها.. "نغشة".. عرفت معلومة جديدة عنك اليوم دمك يصبح أخف بعد الساعة 5 الصبح..

ولكنني ما أن أيقظته وهو ما "صدق على الله" لأول مرة أرى شخصاً فرحاناً أنه يستيقظ في هذا الوقت الباكر يوم الجمعة..
قال (ساخراً) حبيبتي.. ماذا حضرتي لي على الفطور!

قلت ساخرة أنا الأخرى، حضرت لك بوفيه كامل ينتظرنا في المطعم السفلي في الفندق..

وبرغم أنني لم أهتم يوماً بوجبة الافطار، لكن في ذلك اليوم شعرت انني ارغب بشدة في ارتداء ملابسي والذهاب إلى أي مكان..

غريب ما الذي أوقظك في هذا الوقت من الصباح..
قلت ليت لدي إجابة لكان من الأولى أن أمنحها لنفسي.. لكن أعتقد لأن الفراش غير مريح..

ابتسم ابتسامة استهزائية قائلا إذا كان هذا الفراش ليس مريحاً.. فأي فراش سيكون مريحاً!! على أساس انك كنت تنامين على ريش نعام قبل ذلك..

قلت بل ما هو أفضل من ذلك.. كان لي فراش "لوحدي".. لا يشاركني فيه شخص يشخرL

توقعت أن يغضب ولكنه لم يفعل.. بل استبدل ملامح الاستهزاء بملامح وديعة ورومانسية..
لم أدرِ في تلك الآونة ما الذي حدث.. ولكن بالتأكيد حدث ما حدث...


انه الحمام الثاني في أقل من 24 ساعة..
يبدو أن الحياة الزوجية كلها نظافة..

ذهبنا للإفطار.. لم يكن معنا سوى "الجراسين" والأجانب القلة الموجودين في الفندق..

حملنا صحوننا وتوجهنا للبوفيه.. كنت أضع كرواسان وزبدة ومفن..
بالنسبة له كان يملأ صحنه بالسلطة والخضار والزيتون إلى جانب البيض والخبز الأسمر..
"طيب" وما دخلني أنا..
لكن هو اعتبر أنه "دخله ونصف" فبما أنه زوجي منذ اليوم فمن حقه أن يحدد لي "قائمة الطعام المناسبة من وجهة نظره"..

قال: هذه الأشياء مضرة ولا فائدة منها..
قلت: ولكنني لا أحب أن أفطر غيرها..
قال: بتصيري تحبي..


على العموم ليس مسألة صعبة تغيير عادات الأكل... فهناك ما هو أصعب من ذلك،،

أن تضطر أن تجلس في غرفة من أربعة أمتار مع شخص واحد فقط.. لا يتوفر فيها سوى سرير وخزانة ولساعات طويلة من اليوم.. ولا تفعل شيئاً سوى الإجابة على الاتصالات المتعاقبة التي تطمئن عليك..
وكأنك كنت خارجة للجهاد! فلم نبتعد عنهم كثيراً ولا نزال في نفس البلد ونفس المدينة..
فعلى ماذا يطمئنون..
ثم ما نوع الخطر الذي سندخل فيه منذ الصباح وحتى الظهيرة ونحن حتى لم نبارح الفندق..
واضح أن الاطمئنان له مباغٍ أخرى..
ففي مجتمع يفرض وجود الحياء في المرأة ويصبح هاجسه الأساسي والأخير توفر هذه الخصلة فيها..
يفقد هو حياءه في كثير من الأحيان.. ويتناسى أن لخصوصية الحياة الزوجية قدسيتها التي يجب أن لا يحاول أحداً تعديها.
ومع ذلك فأنت لا تستطيعين إيقاف السيل الزاحف من الأسئلة والتساؤلات المقتحمة حياتك الشخصية خاصة في "الصباحية" ولن تستطيعي أبداً الوقوف في وجه خالتك أو أمك أو عمتك وقول " ما دخلك"..

في فترة العصر.. حان وقت الزيارات..
كنت أتطوح نعساً ولكن مع ذلك كان لابد أن أسير وفق البروتوكول الذي رسم لنا..
من العيب ان يزور أهل العروسة ابنتهم في "الفندق" وبالمثل أهل العريس.. لذا يعد من الذوق أن يزور العرسان عائلتهم..

لبست "طقم الصباحية الأبيض"، وصندلي الفضي بينما هو لم يكن محضراً شيئا ليرتديه.. فارتدى بدلة العرس دون "جاكيت"..
هنا تساءلت لماذا يفترض بي وحدي أن أكون جاهزة.. بينما لا يحمل الرجل نفسه عبأ التجهيز لأي شيء.. ويكون ممولاً فقط للمصاريف لا أكثر..

تعالت الزغاريد في بيت أهلي وأهله..
ما يعجبني فينا كنساء عربيات.. حناجرنا.. فهي غنية تماماً بالأصوات المتعالية.. والأفضل من ذلك.. كونها لا تكل ولا تتعب.. فبالرغم أنها لم تهدأ ليلة أمس حيث كان العرس.. ولم تهدأ أيضا ليلة قبل أمس حيث السهرة.. ولكن ما شاء الله.. اللهم لا حسد.. فيها حيل.. وحتى من لا تتقن الزغاريد في هذه الحالة تصوت بأي شكل من الأشكال فقط لتوصل صوت الفرح لمسامعنا وتشارك في الزفة العائلية..

أخذتني والدتي على جنب..
وأخذته والدته أيضا.. ثم عادت مبتسمة وقبلتني.. ورفعت يديها للسماء وقالت: "الله يهنيكم يا خالتو.. وأشوف ولادكم"

ظريفة هي فكرة الغداء مرتان.. خاصة إذا أصبح شغلك الشاغل ترحيب الناس بك واهتمامهم بك.. وإن كانت هذه المسألة تخنق في كثير من الأحيان..

المهم ان جميع الحضور في المنزلين حاولوا أن يحجزونا لعزائم قادمة.. وأصبحنا أشبه بلوحة في مزاد كل يزايد عليها مستعرضين قدراتهم الكرمية الهائلة... لكن فكرة السفر في شهر عسل أنقذتنا من التورط في هذه المنافسة الحادة..
كان لابد لي أن اجمع بعض الأغراض وأحضر حقيبة صغيرة لشهر العسل.. ثم أحملها معي إلى الفندق.. ثم إلى المطار صباح الغد..

رغم أنني حضرت حقائبي كلها.. ورغم أنني جمعت أغراضي كلها في عدة حقائب..
ورغم انني سافرت عدة مرات.. لكن لا أدري لماذا أشعر في هذه اللحظة فقط أن قلبي سينفلق..
لم أشعر أنني أحب خزانتي.. وفراشي.. وسجادتي وستائري..
بل والأكثر منهم عائلتي بهذا الشكل يوماً..
كثيراً ما لا نقدر الأشياء التي في حوزتنا كما ينبغي..
كثيراً ما نتعامل معها على أنها تحصيل حاصل.. فلا نمنحها الأهمية التي تستحق..
27 عاماً قضيتهم هنا..
وها أنا أرحل.. كمن سيغيب إلى الأبد..

لم أتدارك دموعي.. لكنني حاولت أن لم أسمح لها بأن تنساب طويلاً حتى لا أفسد فرحتهم.. وحتى لا أشعر أنا الأخرى بالحزن..

حان الوقت لنعود للفندق حيث ننام باكراً على استعداد لرحلة يوم الغد

ليست هناك تعليقات: