الأربعاء، 14 مايو 2008

مذكرات زوجة في سنة أولى (الحلقة الأولى)



اليوم هو الأخير من ضمن شهور عشت فيها تحت رسن التوتر والقلق.. أمضيت الكثير من الوقت في التنقل من قاعة أعراس لأخرى..
كنت أضغط نفسي كثيراً.. أخرج في ساعة الغداء من العمل لأذهب للتجول في أقرف الفنادق المحيطة، وأهدر ساعات من وقت العمل في إجراء اتصالات مع هذا وذاك.. وعندما انتهي مع دقة الساعة السادسة يكون لدي الكثير من البحوث والتحقيقات حول مشتريات العروس.
وهكذا يبدأ يومي بالتفكير من سأزور اليوم وإلى أين سأذهب.. وينتهي وقد ذابت كواحل قدمي من الدوران حول نفسي.. فأسقط في فراشي كما تسقط ورقة الخريف في بركة ماء ضحلة..
واليوم لا شيء من هذا عدت أراه.. فكل ما بحثت عنه وجدته وبالرغم من الساعات الطوال والأموال الطائلة التي صرفت لأجدها حقيبة سفر واحدة ابتلعت تلك الأشياء الكثيرة القليلة.. و كل الإجراءات والأعمال والبحوث التي قمت بها من أجل عرس "يتوجني" في المكانة التي أرى نفسي فيها..
لم أرَ شيئاً من هذا كله.. مضت الساعات الخمس للعرس وكأن شيئاً لم يحدث.. وكانت كل مشاهداتي في ذلك اليوم تبعث على القلق.. الكوشة التي تعبت في تصميمها والبحث في مئات المجلات لأجد أي منها تعجبني كانت طوال الوقت وراء ظهري لم أتمعن بجمالها ولم استمتع بها..
لم أرى زهورها أو شموعها ولم أدرك كيف بدت.
ذلك اليوم الذي انتظرته.. لم أجده يختلف عن تلك الدوامة الدائرية التي ندخل فيها بمجرد الحقن بإبرة البنج قبل الدخول في عملية جراحية..
بعد انتهاء كل ذلك.. وبعد أن حملني عريسي إلى غرفتنا في الفندق.. وولجنا كلانا من بوابة الزوجية استفقت.. لتوي انتبهت كان الجميع في العرس إلا أنا.. لم تكن تلك الدمية التي كانت هناك تحمل ملامحي الممعنة في التبرج هي أنا.. ولا تلك الحركات المقيدة.. الأِشبه بعقارب الساعة تشبه خطواتي..
نظرت في المرآة بعد قبلة طويلة من عريسي.. وتساءلت من هذه!!
ابتسم فقلت: دعني ألقي بكل هذا بعيداً.. وانتظرني حتى أحظى بحمام ساخن استعيد فيه هويتي..

حوالي 400 دولار وثلاثة ساعات هو ما حصل عليهم الصالون النسائي يغسلون الآن بالماء الساخن.. لأستعيد حقيقتي شاركت بنفسي في إخفائها..

آووف...... ماذا سأرتدي!

هل يعقل.. أن أرتدي هذا!!

ثوب أبيض آخر.. يظهر أكثر ما يبرز!

كنت سأعاقب بشدة لو فكرت يوماً في ارتداء ملابس غير محتشمة ما كان والدي أو والدتي سيقبلان ذلك أبداً!!
وعلى الأغلب كانا لينهراني بشدة.. ولا شك أن المسألة ستحمل الكثير من الإهانات..

وأما الآن واليوم تحديداً سيكون مقبولاً جداً.. أن أرتدي ما اختاروه هم لي ليكون الرداء الذي سيخرجني من دار الآنسات لعالم السيدات..
أسمع صوت تهامس الناس بالخارج.. الجميع لديه توقعات بما سيحدث بيني وبين زوجي اليوم!
أسمعهم دائماً يقولون أن الزواج سترة.. فلماذا أشعره به الآن فضيحة..!!
شعرت بحياء لم أحسه يوماً في حياتي.. تمنيت للحظات أن تنشق الأرض وتبلعني!
كيف سأنظر بأعين الجميع غداً..
كيف سأستطيع أن أتعامل معهم وهم يدركون انني!!

لا.. سأذهب لأنام لعلني أتخطى هذا الموقف اليوم.. سأرجوه أن ننام..

خرجت.. تبسم لي وقد بدل ثيابه هو الآخر..

يرتدي بيجامة بيضاء ناعمة.. وقد صب الشاي الذي صنعه بينما هو في انتظاري وشغل التلفاز..
يريد أن يضحك علي ويوهمني أن لا داعي للتوتر.. لكن "على مين يا بابا" أنا فاهمة ما تخطط له.. وهذا التوتر اللعين لن يتركني في حالي أبداً..
أنا أيضاً لدي خطة لك.. سنذهب للنوم..
جلست إلى جانبه على الأريكة التي صممت خصيصاُ لعرسان يرجان كليهما من الرعب... حتى لو ادعى أحدهما أنه البطل..
كنت أشعر بنبضات قلبه تضرب بقوة.. وقد أخفاها بابتسامة مخطوفة.. تفضح ذهنه المشتت.. وهي تختلف كثيرا عن تلك التي كان يبرزها أمام المصورة من ساعتين مضوا.. وعن ابتسامته الدافئة التي اعتدت عليها أيام الخطوبة..

لكن لا بأس.. أنا سعيدة أنه خائف.. لعلنا نؤجل ذلك الوضع لوقت آخر.. نكون استعدنا فيه أنفاسنا..
شربت كوب الشاي.. وتحدثنا عن العرس.. وعن "النقوط".. وبدأنا نعده..
وعن ثروة الذهب التي حصلت عليها لتوي..
وقلت له: ربما هذا أجمل ما كان في العرس..
لم أتخيل يوماً أنني سأحظى بكمية الذهب هذه كلها في يوم واحد.. لو علمت ذلك لتزوجت "من زمان"
عاد لابتسامته لونها الحقيقي..
قلت له الآن استرددت هويتك..
أنا متعبة وأشعر بنعاس شديد ما رأيك أن نذهب للنوم..
تمتم قليلاً وتأملني قليلاً.. ثم قال.. كما تحبين..
أعجبتني كلمة كما تحبين هذه، وفكرت لو أنني أمهله قليلاً من الوقت لنتجالس قليلاً.. لكنني تذكرت أن "كما تحبين هذه" لا تتداول كثيراً بين الأزواج.. وقد لا أسمعها كثيراً في المستقبل.. لذا وبما أنها خرجت منه فسأستغلها لرمقها الأخير وأؤكد على رغبتي ولن أضيع هذه الفرصة خاصة وأن جفوني على وشك الانسدال..
وقمت فوراً إلى مهجعي وحضرت نفسي لنومة ليست كنوماتي السابقة أبداً..

تصبحوا على خير






ليست هناك تعليقات: