السبت، 9 مايو 2009

لو أن في قلوبنا رحمة!


كنت أشاهد أوبرا وينفري اليوم، كانت تجري لقاء مع شابة بعمر العشرين في المرحلة الجامعية تعرضت في الرابعة عشر من عمرها للاختطاف والاعتداء الجنسي من قبل عصابة.. أو شخص ما ادعى النبوة وتم القبض عليه بعد تسعة أشهر واعادة الفتاة الى أهلها..ما أبهرني فعلاً ليس نجاة الطفلة.. أو الشابة حالياً.. أو مسألة ادعاء النبوة من "مخبول"،- وان كنت أتمنى لو أنني عرفت مزيداً من المعلومات عن مدعي النبوة هذا.. ما هالني بل وغرغر الدموع في عيوني.. هو ثقة هذه الفتاة بنفسها.. وفخرها الشديد بوالديها.. لأنهم من وقف جنبها ولم يرف لهم جفن حتى أعادوا فتاتهم إلى أحضانهم وليس ذلك فقط.. بل أعادوا تأهيلها دون مساعدة أي طبيب نفسي.. قالت لها والدتها" هؤلاء أضاعوا من عمرك تسعة أشهر فهل تريدينهم أن يضيعوا ما تبقى منه".. أما الأب فانحصر تفكيره كيف سيعلم بناته في المستقبل الدفاع عن النفس.. وان يقوموا بالصراخ بمجرد أن يحاول احدهم الاعتداء عليهم.. لدرجة انه بدأ بتدريبهم على الصراخ في المنزل.. وكان فرحاً وهو يقول"وكان صوتهم عال جداً".. كانت البنت فخورة بشكل غير عادي بوالديها.. لدرجة أنها بين كلمة وأخرى بالاشارة اليهم. أما الأب بينما تدور الكاميرا وتعود اليه بين اونة واخرى رأيت في عينيه نظرة لم أرَ كفتاة شرقية مثلها في عين أي أب شرقي.. لا والدي ولا غيره..انه نوع من الفخر والحب والحنان والمساندة والمتابعة.. "مضروبين في الخلاط " ومقطرين قطرة قطرة في عينه وفؤاده.. وكأن كل نبضة في قلبه تصفق لابنته.. وتقول: هذه ابنتي.. هكذا ربيتها لتواجه المجتمع وتواجه العالم مهما كان قاسياً.. وتكون قوية... مهما "افترى عليها الناس ومهما بهدلها الزمان".واو.. واو.. كم تمنيت أن أكون هناك وأصفق حتى تسقط ذراعي عني.. فرحة بهذا الأب.. كم أتمنى لو يتم استنساخ هذا النموذج من الأباء.. ويوزع منه 22 نسخة على كل دولة عربية واحداً..وان كنت واثقة أن الأم أيضاً لم تقل شأناً عن الوالد.. رغم عدم حضورها.. لو أن لدينا مثل هذه الأم.. القوية والمحبة.. وعرفت اليوم.. لماذا يخرج شبابهم ناجحون.. منتجون.. وشبابنا نحن "ملقحون" على القهاوي لا شغلة ولا مشغلة..انه الحب والحماية.. الذي لا نعرفه نحن.. ويعرفوه هم.. ما دفعهم للانتاج وليس للتقهقر ليحموا ظهورهم..تخيلوا لو أن فتاة في عمرها تم اختطافها بنفس الحيثيات في دولة عربية.. "أية دولة عربية"، ما كان أهلها فاعلين.. أول ما سيخطر في بال العائلة "عذريتها"، ثانيا: وصول الخبر للشرطة يجب أن لا يتم حتى لا يشيع الخبر و"ننفضح"، ثالثاً: هنقول للناس ايه عن اختفائها!واذا عادت وصدف أن كان لدينا شرطة خرافية كشرطة نيويورك مثلاً أو جماعة CSI وأعادوا الفتاة.. فماذا سيكون مصيرها!واحد من ثلاثةفي البيئة المحافظة: اقتلوها واغسلوا عارنا واقتلوا معها أمها وجدتها.. لنجعلهم عبرة لمن لا يعتبر.. فأكيد هذه الفاجرة أغوت العصابة.. وأمها شجعتها على ذلك.. وجدها تسترت على الاثنتينفي البيئة المتوسطة: الأم بتاكل "أتلة.. أو علقة" سخنة، والبنت يا اما بتوافق على الزواج من ابن عمها.. حتى يستر عليها.. أو "يذبحها أخوها" وينحبس ست شهور مع وقف التنفيذ..في البيئة الراقية: الأم بتسحب بنتها من يدها لتقوم بعمل "عملية ترقيع".. والأب بيدفع رشوة للصحف والجرائد حتى لا يخوضوا في الخبر..في كل الأحوال.. البنت تمنت لو ان العصابة الخاطفة "كملت الجميلة وقتلتها" بدلا أن تموت عائلتها في قلبها.. وبدلاً من أن تعاني قسوة من أحبت ووالت وانتمت اليهم..فجور العصابة واجرامها قد يعد أهون بكثير..وما يرهقني فعلاً ويؤلمني.. أن كلمة مسلم أصبحت مرتبطة دائماً مع قسوة القلب.. بينما غالباً أرى الرحمة لدى مجتمعات الغرب.. لا أدري لماذا عشق العرب هذا لجثث النساء.. هل هي الوراثة.. التي تناقلوها عن الجاهلية بوأد المرأة.. هل هذه الصورة الانحطاطية المرأة التي كانت تورث مثل المتاع في زمن قال عنه رسول الله المبعوث للعرب صلى الله عليه وسلم "اتركوها فانها نتنة".. وقصد بها الجاهلية!الجاهلية التي تسربت إلى عصرنا بعد 1400 سنة، لتسري في دمائنا مسرى الدم.. ثم ننسب عاداتها للاسلام.أرى أن النموذج المثالي في الاسلام مستحيل أن يكون للزوجة الخانعة... و"البنت حبيبة أبوها" ليست تلك التي تخلع عنه حذائهاوتمد قدميه في مية وملح.. وتفتح الباب على وجل ورعب من وجود أجنبي في الجوار كما يظهر في باب الحارة..أرى أن نموذج المرأة الاسلامي ليس بالضرورة أن يكون ذليلاً.. ولا مسكيناً.. ولا مدعوس على رأسه..أرى أن النموذج الحقيقي لها هو السيدة خديجة التي ساندت زوجها معنوياً ومادياً، أراها في عائشة بنت أبي بكر التي روت ثلثي الأحاديث ودافع عنها القرآن.. أراها في خولة بنت الأزور التي وضعت لثامها وقصت جيوش الروم باحثة منقذة لزوجها.. أراها في سمية بنت كعب التي سلت سيفها ووقفت تدافع عن رسول الله عليه الصلاة والسلام..وأتمنى أن تروا هذا النموذج معي.. وتفكروا كيف تعيدوه.. لن تعيدوه بالقتل واباحة دماء النساء.. مهماً كن خاطيات.. أو طاهرات..أعيدوا تاهيل البنات.. أعطوهم فرصة لمواجهة الحياة..والا اسمحوا لي أن أعبر كم حسدت تلك الفتاة.. حسدتها على دولة (برغم كراهيتنا لها) الا انها تحمي مواطنيها.. وتصدقهم.. حسدتها على عائلتها..التي لا تتعامل معها وفقاً لشروط طالما كنت (طاهرة) نحن نحبك.. وعدا ذلك فمصيرك هو مصير كلبة مصابة بالشيخوخة او السعار.. "القتل" وليس بالضرورة القتل بالرصاص أو بالحبل او بالساطور أو بسم الفئران.. فهناك قتل يوجع أكثر وهو قتل الكراهية والشعور بالعار.. وقسوة العائلة.وبغض النظر ان خطفتها العصابة.. أو ضحك على عقلها ابن الجيران..أتمنى أن يكون للرحمة في قوانينا مكاناً.. ونريح أنفسنا من هاجس "أجساد البنات".. ونتعامل معهم بحب العائلة.. حتى لا نتفرق.. وحتى يصبح المجتمع أقوى وأمكن.. لأنني لا أعرف لماذا أؤمن ان الله الذي يحرم الظلم في كل كتاب.. غاضب علينا.. ونكباتنا الواحدة وراء المليون.. هي نتيجة ظلمنا لهذا الكائن الذي يضطهده الجميع حتى من من نفس جنسه، رغم اكرام رب العالمين له.. ورغم أنه أوجب الرحمة.. فاذا كنا لا نرحم أمهاتنا وبناتنا وأخواتنا وعماتنا وخالاتنا.. فكيف سيرحمنا الله..من "لا يَرحم.. لا يٌرحم"

ليست هناك تعليقات: